الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة حلف لرجل ليوافينه من يوم كذا بموضع كذا فأتى الحالف فلم يجده: قال محمد بن أحمد: ليس الأمر على ظاهر قول ابن القاسم من أنه يبر بأن يأتي ذلك الموضع مرة واحدة وإن لم يجده ولا على ظاهر أصبغ من أنه لا يبر إذا لم يجده إلا بأن لا يفارق الموضع يومه كله، والذي يبر به على قولهما جميعا إذا لم يجده أن يتكرر على الموضع في الأوقات التي يرجو وجوده فيها يبين ذلك ما وقع في رسم جاع من سماع عيسى وقد مضى الكلام على ذلك هنالك والمسألة متكررة في سماع أبي زيد من كتاب الأيمان بالطلاق حاشى قول أصبغ. .مسألة حلف ألا يحضر عرسه فصنع له بعد العرس طعاما ودعاه: قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال: إن الحالف ألا يحضر عرس رجل لا يجوز له أن يحضر طعاما صنعه له مكان العرس لمغيبه عنه لأن معنى ما حلف عليه ترك صلته في عرسه وإدخال الغم عليه بمغيبه عنه وإظهار الكراهة لنكاحه بذلك، فوجب أن يحنث إن شهد شيئا من توابع العرس إن طعاما صنعه له عوض العرس إلا أن يكون إنما حلف ألا يشاهد عرسه كراهة الزحام لا كراهة لصلته ولا لنكاحه، فلا يحنث بإجابته إلى طعام صنعه له لمكان ما لم يحضر من عرسه إذا لم يكن فيه زحام على أصولهم، وما قاله ابن القاسم في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق. .مسألة حلف على رجل ألا يسأله حاجة فتعرض له من غير سؤال: قال محمد بن أحمد: قوله إن التعريض بالسؤال سؤال يحنث الحالف به صحيح؛ إذ قد يكون من التعريض ما هو أبلغ في السؤال من التصريح به ولذلك يجب الحد في التعريض بالقذف، وسواء كان تعريضه بأن يذكر له حاجته وما بلغت منه، أو يذكر ذلك لغيره وهو يريد إسماعه؛ لأن من حلف ألا يكلم رجلا فكلم غيره يريد إسماعه فسمعه حنث باتفاق، وإنما يختلف إذا أراد إسماعه ولم يسمعه، ولم ير ابن القاسم أنه يحنث بالتعريض بالجلوس، وهو على أصله في من حلف ألا يكلم رجلا فأشار إليه بكلام فهمه عنه أنه لا حنث عليه فهم المحلوف عليه من طول جلوسه وحركته حاجته أو لم يفهم، وفي تفرقة أصبغ بين ذلك نظر؛ لأن الجلوس وحده إذا لم يكن يجالسه قبل تعريض بالمسألة، بدليل قوله عز وجل: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] لأن المعتر هو الزائر الذي يعتريك ولا يسألك، فيجب أن يحنث الحالف به إذا أراد به التعريض وإن لم يكن معه زيادة عليه ولا فهم ذلك عنه المعرض له على القول بأن الإشارة كالكلام لأنه يفهم منه التعريض بالمسألة وإن لم تكن معه إشارة كما يفهم بالإشارة. .مسألة حلف ألا يأكل في المسجد من ماله شيئا فأكل منه شيئا خارجه: قال محمد بن رشد: الجواب صحيح والانفصال مما اعترض به عليه القائل عليه غير صحيح، ووجه الجواب أن يمين الحالف إنما يحمل على ما يملك يوم اليمين لا على ما يستفيد بعد ذلك لأن الذي يقول: مالي على المساكين صدقة إن فعلت كذا وكذا فأفاد مالا ثم فعله الاختلاف فيه في أنه لا يلزمه أن يتصدق إلا بثلث ما كان يملكه يوم اليمين إلا أن يقول: مالي يوم أفعل كذا وكذا على المساكين صدقة إن فعلته، أو يريد ذلك، فكذلك هذه المسألة لا يدخل ما أعطي بعد اليمين فيما حلف عليه إلا أن ينص على ذلك أو يريده ولو نص على ذلك أو أراده لحنث إن أكل في المسجد القرص الذي أعطي على بابه؛ لأنه قد صار مالا من ماله قبل أن يأكله، ولو شاء لم يأكله وذهب به إلى بيته أو صنع به ما شاء، ولو أراد إذا دعاه أصحابه ليأكل معهم كلما قطع لقمة ورفعها إلى فيه أن يجعلها في كمه ويذهب إلى بيته أو يعطيها لغيره لم يكن ذلك له إذا لم يأذن له فيه أصحابه، فبان الفرق بين الموضوعين وبطل الانفصال من الاعتراض كما قلناه. .مسألة حلف ألا يبيع سلعة بمائه دينار حتى يزداد فازداد دينارا: قال محمد بن أحمد: وقعت هذه المسألة في أول نوازل أصبغ أكمل مما وقعت هنا فأرجأ الكلام فيها إلى أن نمر بها هناك. .مسألة حلف ألا يدخل بلدة وفلان عليها فمر بقرية من عملها مجتازا إلى بلد آخر: قال محمد بن رشد: وكذلك لو كان بينهما وبين المدينة أكثر من ذلك، ولا اختلاف في ذلك إذ قد صرح بأن يمينه ألا يدخل البلدة إنما هو من أجل أن فلانا عليها وال فلا يدخل شيئا من عملها قرب أو بعد من أجل ولايته عليها، واختلف إذا حلف ألا يدخل بلدة ولم يذكر لذلك علة ولا كانت نية، فقيل: إن يمينه محمولة على عملها حتى يريد الحاضرة بعينها، وقيل: إن يمينه محمولة على الحاضرة بعينها حتى يريد عملها، والأول قول ابن كنانة، والثاني قول ابن القاسم، واختلف في حد عملها إذا نواه أو لم تكن له نية على القول بأن يمينه محمولة عليه، فقيل: عملها وإن بعد وهو قول ابن كنانة، وقيل: أقصاه ما يقصر فيه الصلاة، وهو قول ابن القاسم، واختلف أيضا في حد الحاضرة إذا نواها أو لم تكن له نية على القول بأن يمينه محمولة عليه، فقيل: حدها أقصى ما تقصر فيه الصلاة أربعة برد وهو قول ابن كنانة، وقيل: حدها ما يجب منه الإتيان للجمعة وهو قول مالك وابن القاسم وأحد قولي أصبغ واختيار ابن المواز، وقيل: حدها ما يقصر فيه الخارج ويتم فيه الداخل وهو أحد قولي أصبغ. .مسألة حلف ألا يأكل من عمل امرأته شيئا ثم طلب منها شربة حريرة من ماله: قال محمد بن رشد: إنما لم يحنثه في الدهن من أجل أن الدهن لما كان مما ليس أن يتخذ للأكل حمل يمينه على ما يتخذ؛ إذ رأى أن ذلك هو مقصده بها ويحنث به على القول إنه لا يراعي المقصد المظنون ويحمل يمينه على ما يقضيه اللفظ المظنون به، وقد مضى ذلك في سماع عبد المالك وفي مواضع من سماع عيسى وبالله التوفيق. .مسألة حلف ليقضيه طعاما له عليه فأحاله به قبل أن يقضيه ومضى الأجل: قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها موعبا في أول سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. .مسألة حلف ألا يبيع سلعتين له إلا بعشرة فباع إحداهما بعشرة والأخرى بخمسة: قال محمد بن رشد: قوله في آخر المسألة فهو حانث ساعتئذ معناه ساعة بيع السلعة الأولى، وقد مضت هذه المسألة وتحصيل القول وما فيها من الاختلاف في رسم إن خرجت من سماع عيسى، وسيأتي في نوازل أصبغ بعد هذا القول في الذي يحلف ألا يبيع سلعته إلا بثمن سماه مع سلعة أخرى صفقة واحدة؛ لأنها وقعت هناك وفي سماع أبي زيد من كتاب الأيمان بالطلاق حايله عن غير تحصيل. .مسألة له على رجل مال فجحده ثم ظفر له بمال فأراد أن يأخذ منه مقدار حقه: .مسألة حلف ألا يبتدئ رجلا فصالح امرأته فابتدأه ثم راجع امرأته فابتدأه: قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أنه حلف بطلاق امرأته ألا يبتدئه فالذي يأتي فيها على مذهب مالك أن اليمين ترجع عليه إذا راجعها ويحنث إن ابتدأه بعد مراجعته إياها؛ لأنه حالف بجميع الملك فلا تسقط عنه اليمين إلا أن يطلقها ثلاثا، وقد قال ابن زيد في النوادر: قوله فابتدأه فلا شيء عليه ليس على أصولنا، وقد سقط في بعض الكتب وأراه غلطا، وقوله صحيح إنما يأتي على مذهب الشافعي الذي يقول: اليمين لا ترجع في العبد بعد الشراء ولا في الزوجة بعد النكاح واحدة طلقها أو ثلاثا، وقد مضى هذا المعنى في رسم يدير من سماع عيسى وبالله التوفيق. .مسألة حلف في السلعة لا يبيعها بمائة دينار حتى يزاد: قال محمد بن رشد: هذا كما قال: لأن الأيمان إنما تحمل على ما يقتضيه لفظ الحالف إذا لم يكن له نية ولا ظهر له مقصد إرادة وقد علم بالعرف والعادة أن الحالف إذا حلف ألا يبيع سلعته بكذا حتى يزاد على ذلك، أنه إنما أراد زيادة لها قدر على حال الثمن فليس من حلف ألا يبيع سلعته بألف مثقال حتى يزاد كمن حلف ألا يبيع سلعته بعشرة دنانير حتى يزاد إذ يعلم أن المثقال الواحد وما يقرب منه لا قدر له عند الألف مثقال، وأن ربع دينار ونحوه له قدر عند العشرة دنانير، والحد في ذلك ليس فيه أن يرجع إليه ولا قياس يبنى عليه، وإنما هو الاجتهاد على غير قياس، وطريقة غلبة الظن بمقدار ما قصده الحالف من الزيادة ليمينه، ولذلك وقع الاختلاف بينهم في ذلك، فاستحب ابن الماجشون في الواضحة ألا يبر في المائة الدينار إلا بالثلاثة دنانير ونحوها، وإلى نحو هذا ذهب سحنون فلم ير زيادة دينار في المائة بتبرية يمين، وذكر له قول بعض الناس أن ربع دينار في المائة تبرية يمين؛ لأن القطع يجب فيه فأنكره؛ إذ لا وجه للاعتبار بالقطع في ذلك لمخالفة معناه معنى اليمين، ومحمد بن عبد الحكم أنه يبر بأقل من ذلك، وقوله مبني على الاعتبار بما يقتضيه اللفظ دون مراعاة المقصد، وهو في هذه المسألة بعيد لظهور المقصد فيها ونيته بما يخالف للفظ، وأشهب يرى خمس دينار في العشرين دينارا تبرية على حساب الدينار في المائة دينار. .مسألة له سلعة قيمتها ثمانون فيحلف ألا يبيعها بأقل من مائة فيبيعها بمائتي دينار: قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر لأن السلعتين إذا بيعتا في صفقة واحدة وسمي لكل واحدة منهما ثمن فالتسمية غير معتبرة، والواجب أن يفض جميع الثمن الذي بيعتا عليه على قيمة السلعتين فإن رفع للسلعة التي حلف فيها من جميع الثمن ما حلف عليه فأكثر بر وإن وقع عليها أقل مما حلف عليها حنث فقد لا يضع من قيمة السلعة التي ضم إليها فباعها معها صفقة واحدة شيئا فيحنث، وذلك مثل أن يكون له سلعة قيمتها ثمانون فيحلف ألا يبيعها بأقل من مائة فيبيعها بمائتي دينار مع سلعة أخرى قيمتها مائة دينار على أن ثمن كل سلعة منها مائة دينار لأن المائتي دينار تفض على قيمة السلعتين فيجب منها للسلعة المحلوف عليها أقل من مائة دينار وهو قد حلف ألا يبيعها بأقل من مائة، وقد يضع من قيمة السلعة التي ضم إليها فباعها صفقة واحدة شيئا فلا يحنث، وذلك مثل أن يكون له سلعة قيمتها مائة دينار وعشرة دنانير فيحلف ألا يبيعها بأقل من مائة فيبيعها بمائتي دينار مع سلعة أخرى قيمتها مائة دينار وعشرة دنانير على أن ثمن كل سلعة منها مائة دينار لأن المائتي دينار تفض على قيمة السلعتين فيجب للسلعة المحلوف عليها مائة دينار كما حلف، وكذلك يكون الحكم أيضا في هذه المسألة في البر والحنث على القول باعتبار التسمية لأن البيع لا يجوز على هذا القول، وهو قول مالك في الدمياطية وفي سماع ابن القاسم من كتاب كراء الدور في بعض روايات العتبية، إلا أن يكون سمي لكل سلعة من الثمن ما يقع لها منه على قدر قيمتها من قيمه صاحبتها، وبالله التوفيق. .مسألة حلف ألا يجامع رجلا تحت سقف بيت فأدخله الإمام الحبس كارها: قال محمد بن رشد: وهذا إذا سجنه الإمام في حق، وحكى الإمام ابن حبيب عن ابن الماجشون وأصبغ أنه لا حنث عليه إذا سجن والمحلوف عليه في السجن مسجونا أو غير مسجون ولا إذا سجن فدخل عليه المحلوف عليه في السجن أيضا مسجونا أو غير مسجون، وهذا الاختلاف على اختلافهم فيمن حلف ألا يفعل فعلا فقضى به عليه السلطان، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك من رسم تسلف من سماع ابن القاسم، وأما إذا سجن مظلوما في غير حق فلا حنث عليه، قاله ابن المواز، وهو صحيح لأنه مكره بمنزلة من حلف ألا يفعل فعلا فأكره على فعله، ولا اختلاف في ذلك، وإنما اختلف فيما إذا حلف ليفعلن فعلا فمنع من فعله وحيل بينه وبينه، فالمشهور أنه حانث إلا أن يكون نوى إلا أن يغلب، وقال ابن كنانة: لا حنث عليه، وأما إذا دخل الحالف السجن باختياره غير مسجون والمحلوف عليه فيه مسجونا أو غير مسجون أو دخل عليه فيه مسجونا أيضا أو غير مسجون فلا اختلاف في أنه حانث، ولو جامعه في المسجد لم يحنث، قال مالك: لأنه ليس على هذا حلف، ولو جامعه في الحمام حنث، قال في كتاب ابن المواز: لأنه لو شاء لم يدخله، وليس هذا التعليل ببين؛ لأن له مندوحة عن دخول المسجد أيضا إلى غيره من المساجد، ولا فرق بين الحمام والمسجد في هذا على تعليل مالك، ولا على التعليل الذي في كتاب محمد، فإما أن يحنث فيهما دون مراعاة المقصد، وإما أن لا يحنث فيهما جميعا على اعتبار ما يقتضيه اللفظ دون مراعاة المقصد، وقد مضى في رسم جاع من سماع عيسى وفي غيره من المواضع بيان هذا. .مسألة حلف ألا يجيز جاريته البحر هو ولا ابنه فباعها ممن أجازها: قال محمد بن رشد: إنما حنث المشتري الذي حلف للبائع ألا يجيز الجارية البحر هو ولا ابنه ببيعه إياها، ممن أجازها إذا لم يشترط على مشتريها منه ألا يجيزها؛ لأنه جعل يمينه على نية البائع المحلوف له وهو قد قال: إنما أردت الإيجاز فكان كأنه قد حلف ألا يجيزها البحر هو ولا ابنه ولا أحد بإباحة ذلك له، فإذا باعها ولم يشترط على المشتري ألا يجيزها فأجازها فقد أباح له إجازتها ووجب عليه الحنث، وإذا باعها شرط على المشتري لا يجيزها فأجازها لم يحنث إذ لم يبح ذلك له، وقد اختلف في البيع على هذا الشرط فقيل: إنه بيع فاسد يجبر المتبايعان على فسخه ما كان قائما ويكون فيه القيمة بالغة ما بلغت إن فات، وقيل: إنه يفسخ ما دام البائع متمسكا بشرطه فإن ترك الشرط جاز البيع وإن فات كان فيه الأكثر من القيمة أو الثمن، وقيل: إنه إذا فات على هذا القول كان للبائع قدر ما نقص من الثمن بسبب الشرط، وذلك ما بين القيمتين من الثمن، ولا تأثير للاختلاف الواقع في حكم هذا البيع فيما ذكرناه من أن البائع يبر في يمينه به. .مسألة حلف بصدقة سلعة إن نقصها من ثمن سماه فباعها بأقل: قال محمد بن رشد: أما الذي حلف بصدقة سلعة ألا يبيعها إلا بكذا فباعها بأقل فلا اختلاف في المذهب أن الأمر على ما قال من أنه يكون عليه أن يتصدق بأكثر من قيمتها أو الثمن الذي باعها به، يريد ولا يجبر على ذلك بالحكم وإنما لم يجبر على ذلك بالحكم لاختلاف أهل العلم في وجوب ذلك عليه من وجهين. أحدهما لزوم اليمين بالصدقة. والثاني الرجوع في الصدقة ما لم يقبض، وأما إن كانت السلعة من مال قراض فقد قيل: إن المقارض الحالف له أن يتصدق بما يصيبه منها إذ لا يتقرر فيها حق إلا بعد نضوض رأس المال إلى صاحبه لجواز أن يخسر فيما يستقبل فيكون عليه أن يجبر رأس المال مما يجب له من ربح هذه السلعة، والقولان قائمان من كتاب القراض من المدونة، وأما الذي تصدق بسلعة بينه وبين رجل فالاختلاف إنما هو في حصة شريكه، فقيل: إنه يلزمه فيها القيمة إذا رضي شريكه أن يضمنها له بالقيمة ويكون جميع السلعة للمتصدق بها عليه، والقولان في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الهبات والصدقات، وأما حصة المتصدق منها فيلزمه فيها الصدقة إلا أن يكون له مع شريكه فيها شركة مع غيرها مما يقسم معها قسما واحدا؛ ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أنها تقسم، فإن صارت السلعة المتصدَق بها للمتصدق في سهمه كانت للمتصدق عليه، وإن صارت لشريكه لم يكن له شيء، وهو قول ابن القاسم على أن القسمة تمييز حق، والثاني أنه ليس للمتصدَق عليه إلا حصة المتصدق من السلعة، فإن صارت لشريكه كان له من حظ المتصدق من غيرها قدر ذلك، وهو قول ابن الماجشون على قياس القول بأن القسمة بيع من البيوع، والثالث أنه إن صارت السلعة للمتصدق كانت للمتصدق عليه وإن صارت لشريكه كان له من حظ المتصدق من غيرها قدر غيرها وهو قول مطرف، وبالله التوفيق. .مسألة حلف ليتزوجن إلى أيام: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن أقل الجمع ثلاثة في عرف الكلام، وقد قيل: إنه كذلك في موضع اللسان، فوجب أن يحمل بمنزلة الحالف على ذلك، ولا يراعى فيها قول من ذهب إلى أنه في موضوع اللسان اثنان، وإن كان ذلك هو مذهب مالك في أن الاثنين من الإخوة يحجبان الأم من الثلث إلى السدس؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وقوله: والذي يحلف ألا يتزوج أياما مثله يريد أنه يبر بالثلاثة الأيام كما يحنث الأول بالثلاثة الأيام، وإنما قال فيه وهو أشد؛ لأنه كلما ترك النكاح كان أبين في البر، وهذا بيّن، والله أعلم. .مسألة يحلف لا يجلس على بساط فمشى عليه: قال محمد بن رشد: كذا وقع في بعض الكتب أو الانتفاع بالجلوس عليه وليس بصحيح؛ لأنه إذا أراد ألا ينتفع بالجلوس عليه فلا حنث عليه بالمشي عليه في بعضها والانتفاع بالجلوس عليه بإسقاط الألف وهو الصحيح، فإذا أراد اجتنابه فهو حانث بالمشي عليه على أي حال كان، وإذا أراد اجتناب الانتفاع به فهو حانث بالمشي عليه في الموضع الذي يبسط للانتفاع به، وإذا أراد اجتناب الانتفاع بالجلوس عليه إن كان ليمينه سبب يدل على ذلك فلا حنث عليه بالمشي عليه على أي حال كان وإن لم تكن له نية، فقال في الرواية: إنه يحنث بالمشي عليه. وتحمل يمينه على الاجتناب، والذي يأتي على أصولهم إذا لم تكن له نية ولا كان ليمينه سبب أن تحمل يمينه على مقتضى لفظه فلا يحنث بالمشي، وبالله التوفيق. .مسألة حلف ألا يأكل في كل يوم إلا خمس قرص فعملت امرأته قرصا أكبر: قال محمد بن أحمد: المعنى في أن الحالف أراد ألا يأكل أكثر من قدر الخمس قرص ولا أكثر من عدتها، فلا اختلاف في وجوب حمل يمينه على ذلك ولو ادعى أنه أراد عدد القرص لا قدرها لم ينو في ذلك إلا أن يأتي مستفتيا، ولو قال قائل: إنه لا ينوي في الفتوى أيضا لبعد النية في ذلك لكان قولا، فقد قيل في الذي يحلف ألا يشرب الخمر فيقول: إنما أردت خمر العنب إنه لا ينوي في قضاء ولا فتيا، وقد مضى ذلك في رسم تسلف من سماع عيسى، وبالله التوفيق.
|